في طريقي لأحد حملات التعقيم التي يقوم بها المجتمع المحلي من جمعيات ومنظمات، ومن بين الأحاديث التي كان يحاول بها سائق الأجرة دفعي لأشارك معه بالحديث، وبالإضافة للطريق الطويل والمزدحم رغم إجراءات الحجر المنزلي الجزئي المفروضة، قال جملة سمعتها للآن مئة مرة ومن مختلف طبقات الناس وهي "لو تبين بأن الغد يوم القيامة لرفع تجار البلاد أسعار الكتب من مصاحف وأناجيل لكي يتربحوا منها".
وهنا بدأت فكرة غريبة تخطر ببالي وهي: أحقاً من الممكن لضمير التجار رفع سعر الكتب الدينية لو عرفنا بطريقة ما بأن الغد يوم القيامة أو نهاية العالم؟
لما لا؟ فالصورة التي كنا نراها عن تاجر بلادي الكريم في المسلسلات وعن حبه لبلده ومساعدته لجيرانه تحطمت منذ زمن، وخصوصاً بعد الأزمات المتلاحقة التي مرت على البلاد في آخر عشرة سنين، فكلما كانت تحدث أزمة في مادة ما كان يقفز سعرها أضعافاً مضاعفة، فلما نقص الوقود خزنه التجار وباعوه، ولما نقص الغذاء احتكروه، ولما تقطعت السبل وفتحت استغلوها، وحتى أزمة فيروس كورونا المستجد ربحوها، فلما لا يكون كلام هذا السائق صحيحاً.
نعم، فربما تجارنا بمعظمهم فاسدون.
وربما نحن أيضاً فاسدون وبالتالي تطبعنا بطباع بعضنا.
فكما قال المثل الشعبي "من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم".
عموماً، وبعد تفكير مضني وإيجاد جواب لقضية أخرى متعلقة بهذا الموضوع وهي لماذا الناس ليسوا ملتزمين بالحجر المنزلي؟
قررت بعدها إغلاق عقلي وفتح هاتفي المحمول لأتصفح حسابي الفيسبوك لأجد أول منشور أمامي نكتة تعبيرية عن الحب تقول "قلبي مواطن فقير وقلبك تاجر لا يبالي".
وكم هذه الجملة تعبر عن الحب من طرف واحد، وكم تعبر أيضاً عن وضع مادي من طرف واحد.
فكما تعودنا في الأزمات يصبح فقراؤنا أشد فقراً والتجار أكثر غناً ونفوذاً وهم في النهاية لا يبالون.