طويلٌ حدِّ الخَصر، قصيرٌ إلى حدِّ الكَتِف، طويلٌ مرةً ثانية، متوسطُ الطّولِ مع الغُرّة، طويلٌ مرةً ثالثة إلى حدِّ الخَصر..أو أكثر، قصيرٌ جداً ثُمَّ مَحلوق…
كانَ هذا شعري مُنذُ أيّار 2016 و حتّى حُزيران 2019
يا ليتني أستطيع بتر جزء من الوعي، لماذا ؟
عِندَ الانتقالِ مِن مرحلةٍ عُمريةٍ إلى أُخرى، نبدأُ باكتسابِ قَدرٍ مِنَ الوعي الّذي يُرافقُنا في مسيرةِ فِهمِ الحياةِ مِن حَولنا...لَم أُتِمَّ الخَامِسةَ عشرَ مِن عُمري عندما بدأتُ أدرِكُ المشاكلَ و الخَساراتِ و الضّغوطِ بطريقةٍ مُختلفة، أَكثرَ وَعياً و نُضجاً بعضَ الشّيء.
أُولى التّجارُبِ السّيئة كانَت خسارةُ صديقتَينِ مُقربتَينِ جِداً، إحداهُنَّ لجأَت إلى فرنسا و الأُخرى إلى ألمانيا حيثُ اختفَت فجأةً و لَم تُخبِرنا أنَّها ذهبَت بَحراً لتبدأَ حياةً جديدة.
لا تبدو هذه بالمُصيبةِ الكبيرةِ أَليسَ كذلك ؟ّ… و لكِن بالنّسبةِ لفتاةٍ في مَطلعِ عُمرِها، هي كذلك...
قَصصتُ شعري إلى حدِّ الكَتفِ وكانَت هذهِ المرةُ الأُولى الّتي أَصُبُّ حُزني فيها على شَعري...جِزءٌ مِنِّي، مِن مَظهري الخَارِجي.
شَعرتُ بالارتياحٍ وأنا أَسمعُ صَوتَ المِقَصِّ يبتِرُ جزءاً مِن خُصلِ شَعرٍ لامسَ دموعَ الحُزنِ على فقدانِ صَديقتَينِ لا يعلمُ إلَّا الله إِن كُنَّا سنلتَقي مُجدداً يوماً ما.
مَضت الأيَّامُ من أيّار 2016 إلى 31 تشرين الأَوّل 2018 و كَأنَّها يَومانِ لا سَنتَان. لم تُلازِمني فِيها خُصلُ شَعريَ الطّويلِ بل كُنتُ في كُلِّ مَرةٍ أَشعُرُ بسلبيةٍ كَبيرة أَتخلَّصُ مِنها مع الشّعرِ الخَروبيِّ الّذي اعتَادَ التّطايُرَ في الهواءِ و لكنّي أَذكُرُ تِلكَ الفترة, شعرٌ مُتوسِطُ الطّولِ مَع غُرّة كانَت سَبباً لابتسامَتي، سَبباً لكي أُحبَّ مَظهري مِن جديد و أَبحثَ عمّا يُعبِّرُ عن شخصيتي و لكن…
ولكني أَذكرُ كُلَّ كَلمةٍ بَشعةٍ وُجِهَت لي بِلا أَيِّ سَببٍ مُقنِعٍ مِن أشخاصَ لم أَطلُب سَماعَ رَأيِهِم فِيما إِن كُنتُ أَبدو جميلةً أم بَشعة مِثلَ كَلماتِهِم الجارِحة… "ما لابقتلك أبداً"، "طالعة بشعة عفكرة" وغَيرها الكثيرَ مِن الجُمَلِ الّتي دَفعتني أَن أَتجنَّبَ النّظرَ لِنفسيَ في المِرآة و هكذا أطلَقتُ له العَنانَ للمرةِ الثّالثة.
31 تشرين الأول 2018 وما بعد...
كُنتُ في الصّفِّ الثّاني الثّانوي وقد أَخذَ المِنهاجُ الدِّراسيُّ مَنحى أكثرَ صُعوبةً و جديَّةً من السَّنواتِ الفَائِتة وكانَ الحديثُ اليوميًّ عن "البكالوريا" أو دَعنا نُسمّيها "البُعبُع"، يشكّل ضغطاً دِراسِيّاً و مشاكلُ مَدرسيَّة كافيَينِ أَن يَزيدَا مُستوى التَّوتُرِ و القَلق.
أَلم يَكُن هذا كَافياً حِينَها ؟ لا، فانطبَقَ المَثَلُ الشَّعبِيُّ القائلُ "ما زاد الطّين إلّا بلّة"، خَسِرتُ كَثيراً من أصدقائي واحداً تِلوَ الآخر و اكتشفتُ كَذِباً و نِفاقاً داما طَويلاً، و عِندها أَخذَت مَشاعِرُ الوِحدَةِ تتسلّلُ إلى الأرجاء، لتتملّكَني حَتّى عِندَ وجوديَ وسطَ الزِّحَام.
في داخلي الكثيرُ مِنَ المشاعِرِ السّلبيةِ المُرتبِطةِ بتلكَ الفترة لكِن سأكتَفي بالبوحِ بهذا الكَمِّ فقط…
اقترَبَ عيدُ الميلاد و اقتربَت مَعهُ مَظاهرُ الفرحِ و العيدِ الّتي كَانت عِبارةً عن بَحثٍ مُتواصِل عن ثياب مناسبةٍ و دَفعِ مَبلغٍ كبيرٍ مِن المال على الطّعامِ الدسمِ و الحَفلات و غَيرِها، أَردتُ الابتعادَ عن هذا التّصنُعِ الّذي زادَ مَشاعِرَ الوِحدَةِ شَيئاً فشيئاً لِذلكَ قرّرتُ أن أَصُبَّ مَشاعري مُجدّداً على شَعري، صَديقيَ القَديم، و أَتبرعَ بهِ لعلَّ ابتسامةَ صاحبِهِ الجَديد تحمِلُ لَهُ ولي معنى صادقاً للعيد.
قرّرتُ أَن يكونَ جانبٌ شِبهُ مَحلوق و جانبٌ مع غُرّة، لكن لاقَتِ الفِكرَةُ رَفضاً مِن قِبلِ والدَيَّ و بعدَ نقاشِ طويل مُوضِحَةً فيهِ أَسبابي حَصلتُ على تأشيرةِ صَبِّ ما بِداخِلي على صَديقيَ الخَرنوبيِّ الطّويل.
بالرُغمِ مِن نَظراتِ النّاسِ الغَريبة و تَعابيرِ الاندهاشِ على وجوهِهِم، لَكنِّي كُنتُ أَشعرَ في كُلِّ مَرةٍ أَنظُرُ فيها لنفسيَ في المِرأةِ وأنا مُرهَقَةٌ مِن كُلِّ شيءٍ أنَّهُ مِثلَما تمكّنتُ مِن قَصِّ أَغلى ما تَملكُهُ أُنثى مِن تفاصيلَ جَماليّةً فسوفَ أَستطيعُ أَن أَقُصَّ و أَتجاوزَ هذهِ المرحلةَ السّيئة.
كَمٌ هائلٌ مِنَ الأفكارِ يدور في رأسيَ، لذلكَ سأكتفي الآنَ بهذا القدرِ و أَذهبُ في رحلةٍ قصيرةٍ لأُرَتِّبَ ما تبقّى مِن فَوضى هذهِ الذّكرياتِ لترى ضوءَ الشّمسِ في الجُزءِ الثّاني...