الوقت: لطالما كان منتصف الليل
دائماً أول تجربه لنا في أي شيء تكون صعبة ولا يمكننا أن ننساها، تبقى محفورة بتفاصيلها في ذاكرتنا ولاسيما أذا كانت متصلة بشكل قوي مع العاطفة. فالمشاعر تضفي لمستها السحرية على كل شيء. ولكن في أخر أسابيعي لم أعد قادراً على ترجمة هذه المشاعر أو شرحها بأي شكل أو لأي أحد حتى أصبحت عاجز عن التعبير ولا حتى بالبكاء...
بدأت حياتي تتراكم بشكل عشوائي في مكتبة عقلي اللاواعي. حدث وراء حدث، وموقف يخلفه آخر، وذكرى تلو الأخرى...
حتى هذا اليوم تحديداً في منتصف الليل عندما أستيقظت من نومي وأنا عاجز عن التنفس. وفي لحظات معدودة تصاعدت دقات قلبي إلى اللانهاية وفقدت كلّ فرصي للهدوء، أصبحت حركة جسمي تتحول الى حركة إيقاعية، لم أستطع أن أستوعب ماذا يجري لي، فلقد كانت تلك المرة الأولى.
المرة الاولى مع هذه المشاعر لم استطع ان أشرح لاحد ماذا يحدث، في داخلي فيضان من المشاعر، وأمواج الذكريات تتلاقفني.
اندفعت خارج الغرفة إلى الهواء الطلق، تبعتني أمي تحمل لي كأساً من عصير النعناع الطبيعي، ولكن للأسف لم يكن هذا وقته فلن يكون ذا فائدة.
لم أعد أقوى على التحمل أكثر، فقد بدء الليل يتسلل إلى قلبي، وانفجرت عيناني من الدموع، وصوت شهيقي شقّ سكون الليل وبدءت أنفاسي تحدثني بلغتها الخاصة، تجبرني على الاستماع إليها : "شهيق ...زفير ....شهيق....زفير..."
هدوء مفاجئ حلّ في داخلي، بعد كل هذه الفوضى، وبعد ساعة من استماعي القسريّ لأمسيات أنفاسي ومعزوفات قلبي، حنى علي الفراش وعدت للنوم.
منذ تلك الليلة وأنا على هذه الحالة، تكررت هذه الحالة كثيراً، حتى اعتدت زيارة القلق والتوتر لي، وأبقى أنا على أمل أن الليل سينتهي، وسأعود للنوم.
لا يزعجني عجزي المؤقت عن التنفس لدقائق، فجميعنا في زمن الكورونا قد يختنق للحظة.. أو لأكثر.
دائما ما تسائلت، لماذا أشعر بالخوف عندما تأتيني هذه الحالة؟ حتى فاجئني الجواب من معالجتي في أول جلسة وهي تقول: "التوتر والضغط النفسي هو حالة طوارئ يعلنها الجسم وهو رد فعل لا إرادي على موقف أو وضع معين، فالتوتر ينشط منطقة الخوف في الدماغ فيصبح الدماغ عاجز عن إدراك وتقييم سوء الموقف"
فمثلاً، نرى أن الضغط والقلق المتولد لدى أحد الطلاب مترقّباً امتحاناً في مدرسته، هو بنفس كمية الضغط والقلق عندما توضع في حادث خطر.
إضافة الى أنه يؤثر على التركيز والقدرة على اتخاذ القرار، وأيضاً ومن أهم الأسباب التي تولد داخلنا هذا الاضطراب هي التوقعات، توقعاتنا عن أنفسنا، فعدم إدراكنا لإمكانياتنا يسبب لنا غالباً رؤية ضبابية لما نريد أنجازه والذي قد يكون في بعض الأحيان يفوق قدراتنا.
وبالإضافة إلى ذالك، فتوقعات الآخرين عنا دون علمهم حجم قدراتنا قد تشكل علينا ضغطاً نفسياً كبيراً بسبب ما يريدوننا أن نصبح عليه بعيداً عن رغباتنا، وبالتالي نشعر بالأحباط ونلجأ إلى جلد الذات بسبب الأخرين.
والآن وأخيراً، بعد البحث والقراءة وطلب المساعدة بدأت بفهم هذا الاضطراب، وكيف يمكن أن أساعد نفسي لكي أمنعه من السيطرة على حياتي، فأفضل طريقة لتجاوزه بدأت بتطبيقها هي تقبله والتعايش معه، ومناقشته مع الآخرين حتى أصبحت قادراً على منعه من التأثير على حياتي والبدء من جديد خارج دائرة القلق والتوتر التي قد تحول حياتنا إلى جحيم يملؤه الفوضى إن سمحنا له..
فلا تسمح له.