أغلبنا سمع عن أو شاهد فيلم (كفرناحوم)، الفيلم الذي عكس الأزمة السورية والنزوح بلسان طفل لاجئ حيث أدى دوراً واقعياً باسمه الحقيقي: زين.
لم أستطع كبح دموعي عند انتهائه لما حمله من أفكار نُقلت بواقعية مجرّدة: تدخين الأطفال، الاستغلال المادي وإعطاء العائلات السورية إبرة بنج تبقيهم يحلمون بالسفر لبلاد حيث يطالبون فيها بحق اللجوء والعيش بأمان، سرد القصة بأماكن وبيوت تعكس أوضاع مخيمات اللاجئين.
– إبراهيم كوكي (صحفي وإعلامي سوري)
عكست الألوان في الفيلم المغزى المراد من توصيل الفكرة، تشعرك بأن ذاك العالم بلا لون، رمادي، باهت، هي الحياة القبيحة التي لا تريدها أن تكون ولا تريد أن تمر عليها ولا أن تعيش فيها
يظهر لنا الطفل زين في بداية الفيلم وهو يساعد أهله على تهريب المخدرات للمساجين، عموماً علاقة زين بوالديه لم تكن جيّدة بأي حال، فأبوه كان مصرّاً على عدم دخوله المدرسة وإجباره على العمل بجهد شاق وبأعمال متعددة ليستطيع "كسب كم قرش"..
كانت أخته هي متنفسه الوحيد في الحياة والتي بعدما نضجت حملها أبوها وأودى بها للشاب صاحب الدكان الذي أعطاها له بكل قلب بارد مقابل أربعة دجاجات السِمان، صفقة مربحة في نظر الوالد يؤمن فيها لقمة عيشه والستة عشر طفلاً الآخرين الذين أنجبتهم أمُّ زين.
جن جنون زين وهرب من المنزل ليبقى حبيس الشوارع عرضة للاستغلال المادي، تدور الأحداث في سيناريو معقد حيناً وبسيطاً حيناً آخر، لينتهي به الحال محاولاً السفر خارج البلاد بطرق غير شرعية كما تحاول أن تفعل العائلات السورية الأخرى، وأثناء بحثه عن أوراق تثبت قيده مثل هوية أو شهادة الولادة (ولم يجد)، يتفاجأ بأوراق تحمل شهادة وفاة أخته ذات الإحدى عشر عاماً والتي لم تتحمل الجنين في بطنها لتموت أخيراً بنزيف حاد على باب المستشفى التي رفضت إدخالها لعدم وجود أوراق تثبت قيدها.
يظهر لنا زين في المشهد الأخير يرفع قضية على والديه لأنهم أنجبوه إلى هذه الدنيا، وبرسالة واضحة يخاطب فيها العالم:
الدنيا متل الشحاطة يلي لابسها، عم بنشوى فيها متل الفروج الي عم اشتهيه!"
يعكس الفيلم بقصته حال مئات بل الآلاف من الأطفال السوريين سواء كانوا داخل أو خارج البلاد، ممن تعرضوا للاستغلال القسري والعنف الجسدي واللفظي والجنسي. ومن كانوا حبيسي الأزمة ولم يعيشوا طفولتهم بالطريقة المناسبة. وأولئك الذين أودى بهم الفقر والجوع إلى تلك الحالة.
بحسب مخرجة الفيلم نادين لبكي، فإن "الأطفال هم أول من يدفع ثمن الحرب"
أذكر موقفاً حصل لي منذ عدة أشهر، فتاة صغيرة تتسول لطلب المال وإذا لم تستجب لها شرعت – وهي مبسمة - بجرح يدها عمداً مستخدمة قطعة زجاج حادّة لتجبرك على الخضوع لها!
كيف أودى بهم الحال إلى هنا؟ وهل من سبيل لخلاصهم؟ وأين عائلاتهم؟
لقد بدأ الأمر منذ 9 سنوات حين بدأت الحرب السورية، حينها كنت طفلة مثلهم أيضاً واضطررنا لمغادرة المنزل والذهاب لآخر حيث لا يوجد مدرسة ولا تعليم، ثم استطعنا أخيراً تجاوز تلك المرحلة بالذهاب لمدينة جديدة حيث التعليم الجيد والوضع المريح، لكن ماذا عن الأطفال الآخرين؟
السيناريوهات مختلفة في ظل الظروف التي أنتجتها الأزمة السورية وهي:
- أطفال أكملوا تعليمهم وحصلوا على شهادات مختلفة وممتازة.
- أطفال أكملوا تعليمهم لفترة وتوقفوا بسبب عدم قدرتهم على الدراسة مجدداً لظروف إما مادية أو نفسية.
- أطفال لم يستطيعوا إكمال تعليمهم من الأساس وما زالوا يعانون.
- أطفال مشردون يجوبون الشوارع لا يعرفون معنى التعليم ولم يدرسوا أبداً وهذا حال زين.
تجدر الإشارة إلى أن عائلة زين منحت حق اللجوء في النرويج. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهوها في لبنان يرى زين أن مغادرتها لم تكن سهلة "سأفتقد أبناء عمومتي هنا، لكني هناك، سأكون قادرا على الذهاب إلى المدرسة وتعلم القراءة والكتابة".
كم من زين موجود في مجتمعنا لم يحصل على حقوقه بعد؟
وبما أن الحرب جلبت معها التشرد والنزوح لكثير من العائلات، ما زال هنالك البعض منهم من يعوض فقدان الابن بابن آخر في ظل ظروف لا تسمح له بالعيش ببيئة آمنة ومستقرة وكريمة توفر له الظروف المناسبة للعيش.
لذا في رأيي الشخصي، زين كان محقاً في حديثه: " أنا بدي الكبار يلي ما بيقدر يربي ولاد ما يجيبن"، لأن الأطفال هم أكبر المتضررين من الحرب وتبعاتها، من تسول واستغلال لفظي وجسدي ومادي، يرون الأطفال الآخرين في نعمة بينما هم لا يستطيعون الحصول على لقمة يسدون بها رمقهم ولو ليوم واحد!
أتطلع إلى المستقبل وأتمنى أن يظلّ هناك دائماً من يقف في صفّ هؤلاء الأطفال وينصفهم ليكونوا قادة الغد، في عالم يسوده الأمان والطمأنينة، بلا ظلم ولا عنف، عالم حيث يكون به كل طفل في المدرسة ليحصل على تعليم جيّد وغذاء صحّي ومياه نظيفة. وتلك أبسط حقوقهم!