عندما كنت في الخامسة من عمري، وبت أستطيع إمساك القلم والرسم به للتعبير عمّا يجول بخاطري من عالم محيط بي.. وقتها بدأت بمحاولة وضع بعض الخطوط والدوائر في محاولةٍ مني لرسم أبي وأمي، كانت تلك أول لوحةٍ كاملة بالنسبة لي، وبعدها لم أرى فائدة من متابعة الرسم فقد وجدتُ ضالتي.
خلال وجوده في مركز الإيواء مع زملائه، الذين استطاعوا جمع ملامح أهلهم من وحي الذكريات التي تجمعهم بهم حيث افترقوا عنهم إما بسبب الموت أو النزوح. "آدم" طفل كغيره من أطفال هذا البلد الحزين، ذنبه الوحيد أنه ولد عام 2007، وعندما طلبتُ منه رسم لوحةٍ أخرى عنوانها "الحلم" بصفتي مدربة تأهيل وتمكين لليافعين الصغار، أشار بإصبعه الصغير للوحة زميلته التي كانت عبارة عن خطوطاً و دوائر تشكلُ ما نسميهِ بيتاً.
بعد مرور ثماني سنوات على النزاع، مازالت الأزمة السورية تتسبب بتأثير كبير على الأطفال في داخل سوريا وخارجها. لقد تأثر كل طفل سوري بالعنف والتشرد وانقطاع الروابط الأسرية ونقص إمكانية الحصول على الخدمات الحيوية. وقد ترك كل ذلك تأثيراً نفسياً هائلاً على الأطفال. إن حجم الدمار المادي في سوريا هائل، وقد لحق الدمار بمدارس ومستشفيات ومرافق عامة وخدمات تزويد المياه. ولا يزال 2.6 مليون طفل مشردين داخلياً في سوريا حسب التقديرات، إضافة إلى 2.5 مليون طفل آخرين يعيشون كلاجئين في البلدان المجاورة، حسب تقارير منظمة اليونيسف. تظل الأزمة السورية أزمة حماية في المقام الأول. فتتواصل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال على أشدها، بما في ذلك تجنيد الأطفال واختطافهم وقتلهم وإصابتهم بجروح. وتشكل الذخائر غير المنفجرة تهديداً فتاكاً لملايين الأطفال السوريين، وفي الوقت نفسه لايزال حوالي 5.5 ملايين طفل بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بمن فيهم حوالي نصف مليون طفل في أماكن يصعب الوصول إليها.
إن أربعة ملايين طفل، وهو ما يعادل نصف أطفال البلاد، نشأوا وهم يعرفون العنف فقط، مع دخول الحرب التي مزقت البلاد عامها الثامن. جاء ذلك في تصريحات للمديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور، وقالت فور إنه وبعد مضي نحو ثماني سنوات من بدء النزاع في سوريا، لا تزال الاحتياجات كبيرة، مشيرة إلى أن ملايين الأطفال الذين ولدوا خلال الحرب مستعدون للتعافي من آثارها. وأضافت أن كل طفل "في الثامنة من العمر في سوريا نشأ وسط الخطر والدمار والموت،" داعية إلى "أن يكون هؤلاء الأطفال قادرين على العودة إلى المدرسة، وتلقي التلقيحات"، والشعور بالأمان والحماية. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على مساعدتهم. لقد ولد أربعة ملايين طفل في سوريا منذ بدء الصراع، الذي طال كل جزء من البلاد،" مشيرة إلى أن الوصول إلى هؤلاء الأطفال، أينما كانوا، يظل أولوية.
والآن بعد مرور ثلاثين عاماً على اعتماد اتفاقية حقوق الطفل، فإن الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع مثل سوريا هم أكثر الفئات التي تحرم من حقوقها، إن الوقت الآن قد حان لوضع الأطفال أولاً والوفاء بالعهد ذو اتفاقية الأربعة والخمسين حق، باحترام هذه الحقوق أينما كانوا هؤلاء الأطفال ومهما كانت الظروف. هذا التزام تعهدت به كل دولة تقريباً على مدى 30 عاماً، ويجب على كل بلد أن تحترمه اليوم، وحتى ذاك الحين سيبقى "آدم" يتأمل لوحته الوحيدة التي تضم أباً وأمّاً رُسِما من نسج خيالِ طفلٍ صغير قضى طفولته في مركزٍ للإيواء مع بقية زملائه الأطفال.
حتى لا نشهد "آدم" أخر ومأساة أخرى.. نريد فرصة أخرى.. ومن فضلكم فلتكن "فرصة عادلة".