هذا هو اليوم الثالث بعد العشرين بعيداً عن المسابح وملاعب كرة السلة في سنة الكورونا. لا أملك سوى ممارسة تمارين اللياقة وبعض التمارين البسيطة للحفاظ على سويتي الرياضية خاصةً مع حرصي على عدم إزعاج الجيران بضجيج الكرة. أما السباحة، فحدث ولا حرج، إذ أن تمارين "الأرض الجافة" لا تنفع وحدها بعيداً عن الماء، كما أن مشاهدة سباقات السباحة العالمية تصبح مضحكة وأنت تجرب تحريك يديك في الهواء فقط.
مع طول البقاء في المنزل، يتحول كل شيء أمامك إلى عائق في ملعب كرة السلة تحاول تجاوزه وأنت تتخيل نفسك "جيمس هاردن" يقفز خطوة إلى اليمين ثم ثانية إلى اليسار وثالثة إلى اليسار أيضاً، وهوووب تحلق في الهواء لتضرب عتبة الباب بكف يدك كأنك تسجل "سلام دانك" من دون كرة ومن دون سلة. بدلاً من أن يرتفع صوت الجمهور المتحمس لهذه الحركات المثيرة يرتفع صوت العائق (الأخت أو الأخ) غاضباً من الحركة التي باغتته على حين غرة.
لا تنطيط للكرة داخل البيت كي لا تزعج الجيران، ولا حركات (يوروستيب) على طريقة "جيمس هاردن" كي لا تتسبب بنوبة قلبية لأحدهم. نجاحي في تسديد الكرة من مسافة بعيدة كما يفعل "ستيف كيري" كان إنجازاً عظيماً بالنسبة لي، ولكنه إنجاز لن يتكرر مرةً أخرى داخل المنزل إذ كان من نتائجه المريعة تحطيم الساعة المعلقة على الجدار. لا أظن أن النجاح في إصابة ثلاث ساعات جدارية، هي كل الموجود في المنزل، سيصنع مني هدافاً من خارج القوس. ولذلك كففت "طواعيةً" عن محاولات التسديد من بعيد.
لم يبق لي سوى تطوير قدراتي في الارتقاء عالياً، وهي مهارة فردية لا نتدرب عليها كثيراً في العادة. يمكنني بسهولة ملامسة الثريا المعلقة إلى السقف من دون وثب، وبعد بعض المحاولات الحذرة تمكنت من ملامسة الثريا برأسي من دون أن أكرر الحادثة المأساوية التي ألمت بالساعة الجدارية.
الهدف الآن هو ملامسة السقف بيدي! يرتفع السقف نحو 310 سنتمترات، وهي مسافة تزيد ببضع سنتمترات عن الارتفاع المعتمد دولياً لحلقة السلة. نجاحي في ملامسة السقف تعني نجاحي الحتمي في الارتقاء إلى السلة وتسجيل "دانك" مثير يشعل الحماس بين الجميع.
الارتقاء بحد ذاته يتطلب الكثير من التدريب على التكنيك الفعال وتقوية عضلات الفخذ والساقين. ما يبدو أمراً مدهشاً وسهلاً أمام عامة الناس هو نتيجة تضافر عدة عوامل أهمها طول اللاعب وقدراته التي اكتسبها خلال التدريب. تنظر إلى النقطة التي ترغب في "الطيران" إليها ثم تندفع بخطوات سريعة، وفي لحظة محددة تقف فجأة لتنقل قوة الاندفاع إلى أسفل القدمين دافعاً بجسمك إلى الأعلى محلقاً في الهواء، ثم تمد ذراعك إلى أقصاها لملامسة السماء. "السماء" أو "الرينغ"، أو حتى "السقف" في حالتي، مسميات مختلفة لهدف واحد قوامه الارتقاء الناجح للاعب كرة السلة.
يشتهر كثيرون من لاعبي الارتكاز في كرة السلة بارتقائهم المرتفع، وغني عن الذكر أن اختبار الارتقاء هو أحد اختبارات دخول اللاعب في الدوري الأميركي للمحترفين (NBA). وإذا كنت في سنة الكورونا أحاول ملامسة سقف بيتي بيدي فإن لاعبين سبقوني في هذه المحاولات، وكان هدف بعضهم ملامسة السقف بالرأس حيث نجح في ذلك قلة من اللاعبين بينهم شاكيل أونيل ودوايت هاوارد.
في المحاولة الأولى، لامست السقف إلا نحو ثلاثين سنتيمتراً أو كما يقال في المثل الإنكليزي (Close but no cigar). ومع تكرار المحاولات كانت أقرب مسافة لي للسقف تنقص قليلاً عن 10 سنتمترات. ومنذ ثلاثة أيام، نجحت للمرة الأولى في ملامسة السقف! كانت القراءة والتعرف على خبرات الآخرين عاملاً مساعداً في تحقيق هذا الحلم إذ أن سر القفزة الناجحة هي في لحظة الاندفاعة إلى الأعلى مع تركيز كامل القوة في كعب القدم، ثم نقلها تدريجياً في أجزاء من الثانية إلى باطن القدم والتحرر من الجاذبية ثم الطيران إلى الأعلى، وهوووب اليد على السقف.
نجاح أرضى غروري، فأتبعته بمحاولة القفز مباشرة من الوضعية الثابتة التي لا يسبقها الجري. واليوم حققت الإنجاز الثاني ب"سلام دانك" من الوضعية الثابتة، أما ملامسة السقف برأسي فهذا أمر يقترب من المستحيل حالياً، ومع ذلك يمكنني الغناء: I believe I can fly, I believe I can touch the sky.
يحرص مدرب السباحة أن يجعل السباق بيني وبين زملائي في الماء ضمن حوض السباحة من دون غطس في الانطلاق، وعندما أطالبه أن يكون بدء السباق بالوثب من خارج الحوض يعترض قائلاً إن قفزتي نحو الماء تختصر 5 أمتار من طول السباق مقارنةً بالآخرين. أعتقد أن نجاحي في الارتقاء ضمن المنزل بسبب كورونا ستجعل قفزتي نحو الماء تختصر 10 أمتار من طول السباق، وتزيد من طموحي في السعي وراء الألقاب كما فعل السباح مايكل فيليبس.