هل سمعت عن قصة أمل؟ أمل، فتاة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها بعد ولكنها تزوجت من شاب يكبرها بسنتين لأن والدها لم يستطع أن يستمر بالإنفاق عليها، خاصةً أنها وحيدة في عائلة تتألف من خمسة أفراد، الأم والأب، أمل وشقيقيها. أجبرها والدها على التخلي عن المدرسة لأن مدرستها كانت تبعد عن المنزل بضعة خطوات ولكنه مع ذلك لم يشعر بالأمان ليدعها تمشي وحيدة، خاصة أن منطقتهم كانت تعاني من اضطرابات في ريف دمشق، سوريا.
تزوجت أمل عندما أصبح عمرها 14 سنة. "لقد أصبحت قادرة على الإنجاب، إذاً لا يوجد أي سببٍ للرفض. هذا ما تفعله جميع الفتيات اللواتي يصبحن في مثل سنك. ستكونين زوجةَ جيدةَ إذا التزمت بما يقوله زوجك ولن يضطر لضربك إذا كنت مطيعة،" هذا ما كانت تقوله والدة أمل على الدوام قبل أن يجبرها أبوها على الانتقال للعيش مع عائلةٍ كانت بالأمس غريبة.
أمل واحدة فقط من بين مئات الفتيات اللواتي قد تكون قصتهن مشابهة جداً لقصتها. حتى أن أمل قد تكون الأكثر حظاً من بين هؤلاء الفتيات لأنها لم تجبر على فعل ممارسات غير صحية، أو على الطلاق وإعادة الزواج مرات متكررة قبل ان تبلغ الثامنة عشر. فقد أثر النزاع في سوريا سلباً وبشدّة على حالة الفتيات في المنطقة، كونهن الفئة الأكثر ضعفاً والأكثر تأثراً. وبينما يغادر الأشقاء الذّكور إلى صفوفهم المدرسية، تبقى الفتيات في المنزل ليساعدن والدتهن، يتعلمن الطبخ ويتعلمن كيف يصبحن زوجاتٍ مطيعات.
أما قرار ترك المدرسة فغالباً ما يكون الرّجل هو صاحب الأمر فيه. فإن كان الأب موجوداً سيكون هو المتحكم بمصير فتياته، ولو كان غائباً لسبب أو لآخر فيكون الشقيق الأكبر هو صاحب السلطة العليا حتى لو كان يصغر شقيقته بسنوات. فالذكورة تكسب صاحبها نفوذاً وصلاحيات كبيرة تتجاوز صلاحيات المرأة أو الفتاة كونهن باعتبار بعض المجتمعات أقل درجة- سواء كانت زوجة، ابنة، شقيقة أو حتى أم.
للأسف، في سوريّا وفي جميع أنحاء العالم، نرى كثيراً من الفتيات توقفن عن التعليم لأسباب تتعلق بالخوف. قد يكون الخوف من الفشل أو عدم تحقيق الذات ولكن لهذا النوع من الخوف الحصة الأصغر مقارنة بالخوف من التعرض للاعتداء اللفظي أو الجسدي أو الجنسي سواء في الشارع أو حتى في المدرسة. أضف إلى ذلك، أن الفتاة ليست من يحدد هذا الخيار ولكنه يتخذ مسبقاً ورغما عنها حفاظاً على شرف العائلة من أي تهديد.
إن العنف، الاعتداء، الإساءة والتحرش جميعها أمور منتشرة بكثرة في العالم وخاصةّ في المناطق المضطربة، المجتمعات الفقيرة ومخيمات اللجوء. إلا أن هذا لا يجعلها طبيعيّة ولا يجعل منها حدثاً عارضاً يمكن تجاهله. بل يجب علينا أن نعترف بوجودها كمشكلة نبحث عن حلّها حتى نكون قادرين على معالجتها.
ومن واجبنا كشباب ساكنين على هذا الكوكب أن نسعى لإلغاء كافة أشكال العنف، بما فيها العنف المطبقُ على الفتيات. ليس هذا فقط، بل أن نقوم بتأمين البيئة الصحية الملائمة لهن ليحققن طموحاتهن ويكنّ أفراد فاعلات في مجتمعاتهن، حتى يكنّ مُؤثرات وليس فقط مجرد متأثرات.
وبناء على تقارير من البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وغيرها من المنظمات والشركات العالمية المعنية بقضايا النساء والفتيات إن كل يوم هو تَحدٍ آخر في وجه الفتيات من أجل التعليم. وتتخذ هذه التحديات أشكالاً مختلفة، منها الضغوطات الاجتماعية، الفقر، البنية التحتية الضعيفة والعنف المنتشر.
قال نيلسون مانديلا: "فإن التعليم هو السلاح الأقوى لتغيير العالم." فالفتيات المُتعلمات هنَّ فتيات قادرات على تربية أبنائهن تربية سليمة وبعيدة عن العنف، إدارة حياتهن الزوجية والعملية بشكلها الصحيح والمتوازن".
وتقول عدة دراسات أن النساء اللواتي يتلقين التعليم يُصبحن قادرات على العمل والمساهمة في بناء وتطوير الاقتصاد الخاص بالمدن وإعادة تأهيل البُنى التحتية الضعيفة. إلا أن حق التعليم لا يَشمل الفتيات فقط، وإنما يَشمل الذكور على حدٍ سواء. فعلينا أن ندعم الجنسين للحصول على فرص متكافئة ومتساوية من أجل التعليم.
وحتى نضمن مجتمعاَ سليماً معافى، وعالماً آمناً علينا أن نعمل معاً من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما فيهم الهدفين الرابع والخامس (تعليم جيد ومساواة بين الجنسين). دُونهما لن نكون قادرين على التقدم ولا إحداث فرق.
أنا سلام النقطة، متطوعة في برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين كمُساعدة في قسم التواصل في صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا منذ سنة ونصف. أكسبني عملي مع صندوق الأمم المتحدة للسكان نظرةً أوسع عن حالة الفتيات في العالم، وفي المنطقة العربية ومناطق النزاع خاصة، مما جعلني أؤمن أكثر بدوري وقدرتي كفتاة شابة على الدفاع عن حقوق غيري من الفتيات الأقل حظاً. علّنا نكون نحن صوتهن وسندهن.
ملاحظة: أمل قصّة حقيقيّة ولكن تم تغيير الاسم حفاظاً على سرية الشخصية.