تعيش منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العديد من التغييرات الجوهرية، ولعل أغلبها مرتبط بالاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية وكذلك الأوضاع الإنسانية المزرية والتي تنعكس سلبا على حياة الملايين من سكان المنطقة. إلا أن تهديدا بعينه يهدد سلامة المنطقة واستمراريتها، وهو التغير المناخي الذي يشكل خطراً على حياة الملايين من ساكني المنطقتين بداية من المشاكل الصحية وصولاً إلى الفقر والتهجير بسبب الكوارث الطبيعية.
على الرغم من جدية هذه التهديدات فإن سياسات المنطقة وأولوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة لا تصب في اتجاه الحد من الانعكاسات الخطيرة لهذه الظاهرة المناخية. فعلى الرغم من أن مشكل التغير المناخي له تداعيات كارثية على المجالات الفلاحية والاقتصادية والصحية إلى جانب التهديد الذي يشكله على حياة الملايين من سكان المنطقتين، فإن السبل المتبعة للحد من المخاطر البيئية غير كافية وتكاد تكون معدومة في بعض الأحيان.
ففي بلدي تونس مثلا، السياسات التي تعتمدها الدولة غير كافية وأحيانا غير مدروسة، فإلى جانب التجاء الدولة إلى طرق غير واضحة واستراتيجيات تكون منقوصة فإن الجهود المبذولة من أجل مواجهة هذه الظاهرة المناخية ليست جدية أبداً. في السنوات القليلة الماضية بدأت ملامح انعكاسات التغير المناخي في تونس تتبلور، فاليوم أصبح بإمكاننا ملاحظة تأثيرات التغيرات البيئية التي تشهدها البلاد بكل وضوح. فالنقص الملحوظ في كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف المتكررة أثرت سلباً على المنتوجات الفلاحية وساهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية مما تسبب في تفاقم الحالات الاجتماعية الصعبة وتدني مستوى المعيشة في البلد. وعلى الرغم من تعدد ظواهر التغير المناخي في تونس فإن ممارسات الدولة والمجتمع ككل لم تتغير كثيرا. فالاهتمام بالوضع البيئي والمناخي لم يبلغ المستوى المرجو.
وعلى الرغم من أن تلك الظاهرة المناخية لها تأثيرات سلبية على حياة الأجيال القادمة بالأساس، فإن الدولة التونسية بكل مكوناتها لم تسعى إلى إشراك الشباب والأطفال في استراتيجيات مقاومة التغير المناخي. فالمجتمع المدني يسعى إلى إدماج الشباب في حملات بيئية ولكن تبقى الجهود المبذولة غير كافية لنشر الوعي في صفوف هذه الفئة الاجتماعية. ففي غياب إرادة سياسية لا يمكن تحقيق الكثير في مجال التغير المناخي وبهذا فإن معضلة إدماج الشباب في العمل البيئي وإشراكهم في وضع استراتيجيات تحد من انعكاسات التغير المناخي والتي لها تأثيرات مستقبلية سلبية على حياة هؤلاء تبقى قائمة.
و بالاستناد على تجارب دول أخرى فإنني أرى مستقبل الحد من التغير المناخي في تونس يعتمد بالأساس على الشباب والأطفال. فعلى الدولة أن تسعى إلى وضع استراتيجيات تقوم بالضرورة على إشراك الأطفال والشباب في مقاومة تداعيات هاته الظاهرة المناخية. فعليها أولا إدراج التغير المناخي في برامج التعليم الابتدائي والثانوي وذلك بهدف توعية الأطفال بمخاطر هاته الظاهرة إلى جانب السعي إلى تغيير ممارستهم تجاه بيئتهم المحلية عبر نشر ثقافة البستنة والعناية بمحيطهم المدرسي بهدف تعزيز وعيهم بمحيطهم الخارجي. وبذلك يكون طفل اليوم على وعي بالتحديات التي سيفرضها التغير المناخي عليه في المستقبل. فتعليم طفل اليوم بأهمية البستنة وقيمة المحافظة على نظافة وسلامة محيطه سيساعده على أن يكون قائداً قادراً على التأقلم مع الظروف التي يفرضها عليه التغير المناخي في المستقبل.
كما يجب على الدولة التونسية أن تطور منظومة التعليم الجامعي من خلال إدراج اختصاصات تهتم بالمجال البيئي ترتكز بالأساس على تدعيم البيئية المستدامة والاهتمام بتطوير منظومة الطاقة البديلة، وذلك من أجل ليس فقط خلق مواطن شغل جديدة وفتح آفاق أوسع بل هو أيضا تدعيم لنظام الاقتصاد الأخضر وكذلك خطوة نحو الحد من التغير المناخي. إن اشراك الشباب وفتح باب الاستثمار لهم في المجال البيئي من خلال إنشاء ضيعات إيكولوجية تعتمد بالأساس على الرسكلة (أي إعادة تدوير النفايات) والطاقة البديلة سيكون له انعكاسات إيجابية. فمساعدة وحث الشباب على الانخراط في مثل هاته الاستثمارات بعيدا عن البيروقراطية القاتلة سيساهم بشكل كبير في الحد من التغير المناخي.
الشباب هم قادة المستقبل ومصير التغير المناخي مرتبط بالضرورة بمستقبلهم، ومآل هاته الظاهرة سيكون له تداعيات على حياة أطفال وشباب اليوم ولذلك فإن إشراكهم وإدماجهم ضمن سياسات تسعى إلى الحد من التغير المناخي يجب أن يكون أولوية الدولة. فحمايتهم دون فسح المجال لهم للمشاركة في اتخاذ القرار ليس الحل بل هو في الأصل العائق أمام مقاومة هاته الظاهرة المناخية. إن الاستراتيجية المثلى للحد من التغير المناخي ليس في بلدي تونس فقط بل في كامل المنطقة العربية يجب أن ترتكز أولا وأخيرا على إشراك الشباب والأطفال في مجال مقاومة التغير المناخي والحد.
إن العقول الشابة هي مفتاح المستقبل، فلا يمكننا اليوم أن نغير المستقبل دون الاعتماد على الطاقات الشابة. وبذلك على الدول العربية أن تفسح المجال للأطفال والشباب من أجل الحد من مخاطر التغير المناخي.