لا شكّ أن اختراعات البشرية في الزمن الحالي تتجاوز حدوداً كثيرة، منها حدود الزمان والمكان.
لكن الاختراع البشري الأعظم عبر التاريخ الذي استطاع تطوير عمل الدماغ والتأثير في كافة نواحي الحياة؛ هي اللغة.
فاللغة عبارة عن مقاطع صوتية مترابطة تعبّر عنها رموز معيّنة تشكّل جملاً لها معنى، ومجرد تلقّيها بسمعك يمكّنك من خلق أفكار وصور في الذهن ربما لم تكن موجودة من قبل، مما يخلق جسراً بين المتكلم والمخاطب من أجل تبادل أفكار جديدة.
بدأت اللغة عبر العصور برسوم تمثل أشكالاً معينة رسمها أسلافنا على جدران الكهوف لشرح أو نقل شعور معيّن، ثم تطورت لتصبح رموزاً على شكلها الحالي، تختلف بين ثقافة وأخرى باختلاف النظام الهجائي الذي يسمح لمتحدثي اللغة على التواصل كتابياً أو صوتيّاً.
- إذاً، ما علاقة اللغة بالفكر؟
نحن قادرون على نقل المعرفة من دماغ لآخر عبر اللغة، سواء أكانت مكتوبة أم منطوقة؛ وهذا ما يفسر كيف أننا قادرون على نقل أفكارنا عبر مساحات شاسعة من المكان والزمان ووضع أفكار جديدة في عقول الآخرين دون الاضطرار لاستعمال شيء آخر غير اللغة!
لنفترض مثلاً أنك تسأل متحدثاً باللغة الإنكليزية كتابة جملة ما، فإنه يكتبها من اليسار لليمين، أما متحدث اللغة العربية فإنه يكتبها من اليمين لليسار.
تختلف اللغات أيضاً في كيفية تقديم سلم الألوان فبعض اللغات لديها الكثير من الكلمات للألوان، وبعض اللغات الأخرى لديها كلمتين فقط (فاتح) و (غامق)، وهنا يكمن جمال التنوع اللغوي في أنه يكشف لنا كيف أن العقل البشري عبقري ومرن؛ فلم يتمكّن العقل البشري من إدراك لغة واحدة وحسب بل تمكّن من اختراع 7000! فهناك 7000 لغة منطوقة في هذا العالم وهي لغات حية يمكننا توسيعها وتغييرها لتلبية احتياجاتنا.
وبما أن هناك هذا التنوع الكبير في اللغات فإن المتحدثين بها يفكرون بطرق مختلفة، وهذا يتعلق بك وباختيارك للّغة التي تريد أن تفكر بها وتسأل: "كيف بإمكاني أن أفكّر بشكل مختلف؟".
ملهم من TED
- اللغة تساهم في تشكيل مواقفنا!
وجد علماء النفس في جامعة (هارفرد) أن آراء ثنائيي اللغة قد تأثرت باللغة التي اختبرت بها تحيزاتهم وميولهم.
هل توجد اللغة عند ثنائيي اللغة في أماكن مختلفة في الدماغ؟
عندما يعاني ثنائيو اللغة من سكتة دماغية ويتعافون من فقدان القدرة على الكلام بعدة طرائق مختلفة، فإن حالة استرجاع اللغتين تكون غير متوافقة وذلك يكون عبر استعادة لغة واحدة فقط، وهذه الحالة جعلت الباحثين يعتقدون أن كل لغة يتحدثها شخص ثنائي اللغة موجودة في منطقة مختلفة من الدماغ، لكن بمساعدة عمليات التصوير الحديثة ظهر العكس؛ فعندما يتحدث شخص ما بلغتين مختلفتين فإن هذه اللغات جميعها تنشط عبر شبكة مشتركة من الدماغ، مما يعني أنه عندما يتقن شخص ما لغتين معاً يجب عليه إيقاف إحدى اللغتين أثناء استخدام الأخرى.
- دورة حياة اللغة:
ينظر اللغويين على أن اللغة كائن حي ينمو ويتغير ويمتلك صفات التطور البيولوجي، وأن العوامل الإجتماعية والإدراكية تشكل اللغة مع مرور الوقت وبالتالي تختفي تدريجياً تصاريف أفعال أو كلمات أصبح من الصعب تذكرها، فهل تموت اللغة؟
يمكن أن تموت اللغة في حالات مفاجئة مثل الاحتلال والهجرات القسرية والقتل وهذا ما حدث قبلاً في المستعمرات الأوروبية الذي قاد بدوره إلى بروز لغات هجينة وجديدة تحمل سمات اللغة المحلية.
وربما علينا أن نفكر في الوقت الحالي إن كانت لغتنا ستموت مع اللغات الأخرى أم أنها ستحاول البقاء حيّة عبر متحدثيها ومفكريها؛ مما يعني حالياً أنه يجب علينا حماية لغتنا عبر التفكير من خلالها؛ والتحدي الأكبر هو أنه حالياً، تقريباً كل ما نعرفه عن التفكير البشري والدماغ البشري مبني على دراسات لغة الجامعيين الناطقين بالأمريكية-الإنجليزية في الجامعات. فما نعرفه عن تفكير البشر حقيقةً مبني على نظرة ضيقة ومنحازة، وعلينا المحاولة بشكل أكبر.