لطالما كنتُ أُحبُّ أن أمضيَ معظم الوقتِ لوحدي بعيداً عن الناس، و بالأخصِّ المظاهرَ الاجتماعيةَ الخدّاعةَ و الهراء، كنتُ أجدُ راحةً في أن أجلسَ بمفردي بصحبةِ كتابٍ أو أغنية، أو في ممارسةِ هوايةٍ أو تعلُّمِ شيء علميَّ جديد، أمّا ما تبقى من الوقت فقد كان يضيعُ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي.
يمكنُ أن أعتبرَ شهر تشرين الثاني من العام ِالفائت بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ بالنسبةِ لحلمي و ما أسعى إليه من أهداف. في الفترةِ الممتدة ما بين تشرين الثاني ومنتصفِ آذار تغيّرت أمورُ كثيرة، و انفتَحت أبوابُ الصعودِ إلى سلّمِ الحلم... اكتشفتُ موهبةً دفينةً عندي، بدأتُ بالعملِ لأولِ مرةٍ في حياتي في مجالٍ يتعّلقُ بدراستي و شغفي، تعرّفتُ على كمٍّ كبيرٍ من الناس من مختلفِ الشرائحِ والأعمار، اختبرتُ نفسي في القدرةِ على تحمّل الضغط والتوفيق ما بين الدراسةِ و العمل و التعليمِ الذاتي. هذه كانت باختصار ما دفعني في الفترةِ الفائتة خطوةً إلى الأمام باتجاهِ أهدافي و غيّر نظرتي للحياةِ الاجتماعية و أحببتُ الانخراطَ في الناسِ مرةً أخرى لِما وجدتُهُ من فائدةٍ و طريقٍ لأُنميّ شخصيتي وأبحثَ عن فرصَ جديدة.
// كانَ هذا حتّى تاريخ 13-3-2020 //
ماذا حدثَ بعدَ ذلكَ التاريخ ؟
في ذلك اليوم و بعدَ عودتي من نهارٍ متعبٍ وطويل، كنتُ أٌجهّزُ بعض الأمورِ ليومِ غدٍ وإذ صدرَ قرارُ تعليقِ الدوام ووقفِ جميعِ الفعالياتِ الثّقافية والعلميّة وجميعِ المسابقات البرمجية التي كُنّا نُجهّز لها في الأشهرِ الماضية، و تلاهُم قراراتُ منعِ التجوال وإغلاقِ المحالّ حتّى توقّفتِ الحياة، و كأنَّ الزمنَ توقفَ.
شعرتُ وكأنَّ كلَ ما حصدتُهُ من إيجابيةٍ و تفاؤلٍ من الأشهرِ الماضية قد اختفى أمامَ عينيّ، كلُّ شيءٍ قد توقّفَ وأُوجِّل حتّى إشعارٍ آخر و هنا قُلتُ لنفسي "خلص... راح كلشي... هاد حظي".
أمضيتُ حوالي أُسبوعينِ إلى ثلاثةِ أسابيعَ في مزاجٍ سيء، يتملّكُني شعورٌ سلبيٌّ أنّ كلّ ما خطّطت لهُ قد ضاع، و لأوّلِ مرّةٍ في حياتي أقولُ قد اشتقتُ للحياة وللناسِ وأحاديثِهم، للتعب، كانت أيّامي طويلةً ومملةً نوعاً ما، حاولتُ إلهاءَ نفسي ببعضِ الدوراتِ عبر الإنترنت و التعليمِ الذاتي و لكن بِلا جَدوى، تفكيرٌ و تفكيرٌ في كلّ التفاصيل، وعند الإفراطِ هنا تكمنُ المصيبة .
هذا كان التحدّي، فهل سأقبلهُ وأفوز به؟
"البقاءُ للأقوى"
على مرِّ آلافِ السنين مع تطورِ أشكالِ الحياةِ على الأرض، كان الأكثرُ تأقلماً مع الظروف هو يَنجو، و كانَ هذا هو تحدي الشّهر.
هل سأتركُ فيروساً لا يُرى بالعينِ المجرّدة يَهزِمَني؟ بالتأكيدِ لا.
قررّت أن أستفيدَ من كلّ دقيقةٍ تمرُّ منذُ استيقاظي حتّى نومي، أن أستغلَّ كلّ فرصةٍ أجِدُها وأُسخّرَ كلّ طاقتي لأحقِقَ الفائدةَ الأكبر من هذا الوقت.
تقدّمتُ خطوةً كبيرةً في التعليمِ الذاتي في مجالٍ جديدٍ بعضَ الشيء بالنسبة لي بالاستفادةِ من الدورات المتاحة على شبكة الإنترنت، ركّزتُ في تنميةِ مهارةِ حلّ المسائلِ البرمجية حيثُ أحرزتُ ثلاثةَ أضعافِ ما كنتُ قد أنجزتُهُ قبلَ الحجر، أُتيحَت لي الفرصة أن أشاركَ في مسابقةٍ برمجيةٍ عن بُعد مخصصة للفتيات أقيمت في المغرب بمشاركةِ متسابقاتٍ من كلّ أنحاءِ العالم، حصلتُ على تدريب برمجي عبر الإنترنت لدى أهمِ الأكاديميات التدريبيّةِ في مصر، شاركتُ في تدريبٍ للتدوين مع اليونيسف و الذي أكتبُ فيهِ مُدوّنتي الأولى هذه، فهمتُ نفسي أكثر، فهمتُ أنّ إضاعةَ الوقت تُشعرني بالسوء و تحرّضُ الأفكارَ السلبية، عرفتُ قُدرتي على التأقلمِ مع الظروفِ الصعبةِ والتّحديات مهما كانت مُفاجِئة، عرفتُ أنّهُ لا شيءَ يجبُ أن يقفَ في طريقِ المؤمنِ بأحلامهِ والواثقِ من نفسهِ، إنَّ التأقلمَ هو أحدُ أهمّ الأمورِ لتستطيعَ إكمالَ طريقكَ و المضيّ قدماً نحو ما تسعى إليه.
كلّ ما تعتقدُ أنّه حظٌ سيءٌ في البداية أو عراقيل تواجهك، ستكتشفُ في النهاية أنّهُ لخيركَ، و لكن انتظر قليلاً لتتضِحَ الرؤية، ولا تستسلم.